سؤالات في الأدب العربي

    خلال سبع ليال وبحضور عدد من دارسي الأدب ومتذوقيه تمتاستضافة الدكتور محمد بن علي بن درع أستاذ الدراسات العليا في جامعة الملك خالد والذي تفضل بالإجابة عن أسئلةالحاضرين وجاءت على النحو التالي :   س : هناك عدد من النظريات والطرائق التي غلبت علىالدراسات الأدبية ؛ فما هي ؟ وما أشهرها ؟ وأيّها أولى بالدراسةالأدبية ؟ ج : لشكري فيصل دراسة وافية في هذا الموضوع , ويمكنكالعودة إليها , وهي النظرية المدرسية , ونظرية الفنون الأدبية , ونظرية الثقافات , ونظرية خصائص الجنس , ونظرية المذاهبالفنية , والنظرية الإقليمية .  وأشهرها : النظرية المدرسية وهي المهيمنة على مناهج الدراسةالأدبية والنقدية لأسباب منها : تسهيل الدراسة على الدارسين , ولأنها معتمدة في مناهج التعليم العام والجامعي في الوطنالعربي , ولأنها أرّخت للحياة السياسية والاجتماعية والعقليةللمسلمين . وهي أثر من آثار المزاوجة بين لونين من ألوان التأريخ الأدبي : اللون العربي بكل خصائصه القديمة التي علقت بها السياسةوشغلتها حياة القصور والصراع على السلطة , واللون الذيأرخ الأدب الغربي في أوروبا . وهي تقوم على تقسيم الأدب العربي إلى عصور ( العصرالجاهلي , وعصر صدر الإسلام وبني أمية , والعصر العباسي , وعصر الدول المتتابعة , وعصر النهضة ) وهناك من يجعلالعصر الأندلسي في مطاوي العصر العباسي . وقد سادت هذهالنظرية مؤلفات أولئك الرواد في التأليف الأدبي المدرسي مثل : حسن توفيق العدل و المرصفي والإسكندري وجرجي زيدانوأحمد حسن الزيات وأحمد أمين . ويؤخذ على هذه النظرية أنها درست الأدب على أساس قسمةالعصور قسمة تاريخية لا أدبية وأنها وضعت حدوداً فاصلة بينالآداب طبقاً لحدود العصور على حين أن العصور تتداخلوالآداب تتشابك والنماذج تختلط , ثم أهملت إلى حد كبيرالأساس المكاني وتأثير البيئة في النتاج الأدبي , وقد أدّى هذاالإهمال فيما بعد إلى بروز النظرية الإقليمية في الدراسةالأدبية وتباين الأحكام الأدبية تبايناً غريباً هو أقرب إلىالتناقض وأدنى إلى التضاد . كما يؤخذ عليها أنها أهملت النوازع الفردية وخصائص الإبداعالذاتي عند الأدباء وذلك بسبب طغيان المقياس الزمني الأفقيوقد جنى هذا على مئات من الشعراء الذين أغرقتهم هذهالنظرية في تيار التعميم السطحي الذي لا يثبت عند التحقيقوالفحص العميق . كما يؤخذ عليها العناية بالمشاهير والتركيز على اللامعين ثمإصدار الأحكام النقدية من خلال أعمالهم , أما الأصوات الفنيةالأخرى فقد تجوهلت على الرغم من اتسام كثير منها بالعبقريةوالخصوبة والتفرد في الإبداع . أما نظرية الفنون الأدبية فهي نظرية ترصد تطور الفنون الأدبيةمنفصلة فناً فناً وتبرز ظواهرها عبر العصور رقياً وانحطاطاً , استقامة والتواء , قوة وضعفاً , كما تتتبع منابع كل فن والروافدالتي غذته . إن هذه النظرية تمكننا من الاستفادة من التسلسل الزمانيوالعامل الإقليمي ومعرفة تأثيرهما في تطور أي غرض شعريأو فن أدبي , كما تجعلنا على اتصال بالنصوص المدروسةذاتها وفحصها فحصاً حياً فيه معاناة ومعايشة . إنها نظرية تنتهج الاستقراء منهجاً لتجلية المغمورين الموهوبينمن الأدباء وتناولهم بالقدر الذي يُتناول به الأعلام اللامعون فيمختلف الأعصر والبيئات . وهذه الطريقة تفيدنا في الموازنة بين النماذج الأدبية من حيثالشخصية والأسلوب , وأسلوب هذه النظرية يعود على التريثوالتدقيق والتقصي ويعمل على تبرئة الأحكام الأدبية منالسذاجة والسطحية والتعميم , ورفض الأحكام العامةالفضفاضة التي تستغرق عصراً بأسره كتابه وشعرائهوخطبائه وتتجه نحو التناول الفردي , بل تتخصص في تناولهافتقصره على غرض واحد أو فن مستقل بذاته .  ويؤخذ عليها : تجزئة النتاج الأدبي عند دراسته ذلك أنها تدرسنتاج الأديب موزعاً بين الفنون أو الأغراض فالمتنبي مثلاً يُدرسمرة في شعر المديح ومرة في شعر الوصف وتارة في فن الهجاءوأخرى في فن الفخر . ومن هنا تتفتت شخصية الشاعر ويتجزأنتاجه وهذا لا شك يفقدنا التصور الكامل لجوانب الإبداعوألوانه المختلفة عند الشاعر الواحد ويضيع علينا الإلمامالشامل بخصائص شاعريته . كما يؤخذ عليها أنها تهمل صاحب النص المدروس وتتجاهلسيرته الذاتية فلا تلتفت إليه إلا بقدر لماماً وبقدر ضئيل والحقأن هذا الإهمال هو إسقاط لرصيد ضخم عظيم الأهمية فيالدراسة الأدبية , وعلى الرغم من هذا إلا أنه قد وجد لها فيالبيئة الجامعية قدم صدق فقامت دراسة ( شعر الطبيعة فيالأدب العربي ) لسيد نوفل , و( دراسة الحرب في أدب العرب ) لزكي المحاسني , ودراسة ( الهجاء والهجاءون ) لأحمد حسين . وهناك نظرية المذاهب الفنية تقوم على رصد خطى الشعراءوتتبع أساليبهم الفنية من خلال المعارك النقدية وقسمة الشعراءإلى طبقات , وكان أول من تطرق لقضية المذاهب الفنية منالمحدثين حسن المرصفي في كتابه ( الوسيلة الأدبية ) ففي هذاالكتاب كثير من النظرات الصادقة والآراء النافذة التي رمت إلىإقامة دراسة جديدة على أساس من مذاهب الشعراء والأدباءومن طرائقهم الفنية . ثم جاءت خطوة الخالدي في كتابه ( فيكتور هيجو وعلم الأدبعند الفرنج والعرب ) 1904م حيث قسم الشعراء العرب إلى اربعطبقات , وهي قسمة متأثرة بالمذاهب الفنية أكثر من تأثرها بأينظرية أخرى . واتخذت نظرية المذاهب الفنية شكلها التطبيقيفي أعمال كل من : دراسة لطه حسين عن مدرسة زهير بن أبيسلمى في الأدب , وأطروحة الدكتوراه لشوقي ضيف ( الفنومذاهبه في الشعر العربي ) ودراسته ( الفن ومذاهبه في النثرالعربي ) وتتمتع هذه النظرية بخصائص منها : الوحدة الفنية عندجماعة من الشعراء , كما أنها تفيد من جهود النظريات الأدبيةالتي تهتم بدراسة الآثار الأدبية فهي لا تهملها بل هي غاية لها , كما أنها تجمع بين جمالية الأدب ومنهجية النقد حيث تقومعلى الإدراك أولاً ثم على التمييز ثانياً ثم على اكتشاف الحدودثالثاً . كذلك من خصائصها الجمع بين الأدب والعلم والحرصعلى تزاوج الذوق والعقل . كما تقوم على الوحدة والانسجامفهي تجمع خيوط الصلات العميقة بين كل شاعر وآخر وبين كلكاتب وآخر . وهي لا تواجه سلبيات واعتراضات لأنها تحققللدراسة الأدبية الفائدة واللذة وتقيمها على دعامتي العقلوالذوق , ولكن يخشى عليها الاقتصار على الاهتمام بالأسماءاللامعة وإهمال التتبع الدقيق للروح الفنية عند الشعراءالمغمورين فقد يكون أحد هؤلاء مفتاحا لمذهب أدبي أو عنواناًلاتجاه فني . ويخشى عليها إصدار الأحكام الشائعة من عصر الجاهلية إلىالعصر الحديث ولذا نحن بحاجة إلى استقراء جديد شاملودقيق يقودنا إلى الصحة والاعتدال . ويخشى عليها أن تنقلب الوسيلة عند هذه المدرسة هدفاًوالهدف وسيلة بحيث تصنف المدارس الأدبية أولاً ثم يقاسعليها الأدباء ثانياً , إننا إن فعلنا ذلك نكون قد قلبنا المسألةرأساً على عقب فإن الإطار لا يوضع قبل الصورة والمذاهب لاتقرر قبل استقراء الظاهرة الأدبية نفسها . وهناك تقسيم آخر قدّمه نجيب البهبيتي حيث قسم الأدب إلىثلاثة عصور : العصر الفني وهو يمتد من أقدم ما نعرف عنالشعراء الجاهليين , وينتهي إلى ما قبل ظهور الإسلام . ويتسم بملابسة الطبع للصنعة والواقعية ورقة الإحساسبالحياة والاعتدال والمحافظة والإيجاز والمثالية . والعصر العاطفي ويبدأ من قبيل ظهور الإسلام وينتهي عندابن هرمة وابن ميادة وبشار . ويتسم بالانصراف إلى التجريدوغناء النفس , فهو ثمرة حياة خصبة متعددة الوجوه مليئةبالاستمتاع والبهجة , ولعل ما أغرى الباحث بهذه التسميةبروز مدرستين عاطفيتين في الغزل هما مدرسة الحب العذري , ومدرسة الحب الحسي . والعصر العقلي ويبدأ بهؤلاء وينتهي بأبي تمام وقد يلحق بهابن الرومي والمتنبي وأبو العلاء ويتسم بالعودة إلى أصولالشعر العربي فيما أسماه شعر المدرسة العراقية التي تمثل هذاالاتجاه في مقابل مدرسة الحجاز التي تمثل العصر العاطفي .   وعلى كل حال لم تف هذه النظريات بحاجة هذا الأدب ولم تفلحفي دراسته وتأريخه وعليه فإننا بحاجة إلى نظرية شاملةلدراسة الأدب العربي الممتد ومنهج تركيبي تكاملي يجمع بينكل النظريات , ويمكن حصر هذا المنهج الجديد كما تصوره د / شكري فيصل في الآتي : 1- التعاون بين الدراسات الأصلية والدراسات المساعدة : فإِندراسة الأديب نفسه، والتعرف على حياته ودراسة شعرهوتحليله، والتمرس بأسلوبه، والوقوف منه الموقف الشارحالمميز الناقد في آن واحد، هو ما نسميه بالدراسات الأصلية. هذه الدراسات لابد لها من الاستفادة والتعاون مع دراساتالنظريات الإِقليمية والثقافية والجنسية والفنية باعتبارهادراسات مساعدة لها كثير من الجوانب الإِيجابية التي يمكناستغلالها. 2- إِفراد القضية الأدبية وتمييزها : إِن جوهر الدراسة الأدبية هوالظاهرة الأدبية ذاتها، وهي الغاية الأساسية والأصل. ولقد كانمن عيب النظريات السابقة أنها اعتبرت القضية تبعًا أو وسيلة،وركزت عنايتها على أمور ثانوية جانبية؛ فأدى هذا إِلىالاضطراب والانتهاء إِلى نتائج قاصرة. أما المنهج الجديدفيحفظ للقضية الأدبية طابعها الخاص واستقلالها المتميز، ثميجعل سائر الدراسات المساعدة أدوات معينة لها ومكملة. 3- النظرة الواسعة المرنة: وهي ألا نجاوز المهمة الأساسيةللدراسات الجانبية المساعدة عن الحياة السياسية وعن أثرالبيئة وتفاعل الثقافات، وألا نعلو بها فوق قدرها، فنسلمبنتائجها التقريرية؛ وإِنما الصحيح أن نفيد منها في حدودمعينة وبكل حيطة وهدوء، وبعد فحص ومراجعة . 4- تحقيق الوحدة الفنية الكلية: وهي تتم بصورة منتظمةمتدرجة : نبدأ بالشاعر الواحد لننتهي إِلى المجموعة منالشعراء، وبالكاتب لنصل إِلى الطائفة من الكتاب، دون تقيدبمكان أو عصر أو إِقليم. فإِذا انتهينا إِلى المدارس الأدبية كان منالممكن ملاحظة توزعها بين الأقاليم أو العصور أو الثقافات. إِذنفالمنهج الجديد يقوم على الانتقال من الفردي إِلى العام، ومنالجزئي إِلى الكلي، بطريقة متزنة عميقة هادئة نافذة. 5- توسيع مفهوم الأدب : فلابد من توسيع دائرته من المعنىالخاص إِلى المعنى العام وربطه بميادين الفكر في الدراساتالإِنسانية المتنوعة من تاريخ وتصوف وفلسفة. إِننا إِذا صنعناذلك، سنجد أن مقدمة ابن خلدون مثلاً كانت مثالاً أدبيًا رائعًا،يستحق التمهل في التقويم والعمق في الدراسة، فيتغير كثيرمن آرائنا الجاهزة الشائعة وسنكتشف في تراثنا الفلسفيوالصوفي كثيرًا جدًا من النماذج الراقية المجهولة كذلك. وما منشك في أن أمثال هذه الدراسات الجديدة ستشيع الخصبوالنماء في عملنا الأدبي، وستحدث انقلابًا كبيرًا في أحكامناالأدبية، وستغير من نظرتنا إِلى كثير من العصور والفترات. إِن هذه الميزة في المنهج الجديد ترفع الحواجز بين دائرة الأدببمعناه الضيق، وسائر فنون المعرفة الإِنسانية، وتعمل علىإِغناء الأدب بثمار الفكر بمختلف ألوانه من جهة، وعلى إِكسابالإِبداع الفكري في كل العلوم الإِنسانية نكهة الأدب ورواءأسلوبه وأناقة مظهره من جهة أخرى. إِن مناهج دراستنا الأدبية الراهنة ، خصوصًا ما يتصل منهابالمناهج التعليمية هي في حاجة ماسة إِلى إِصلاح جذري جاد. إِنها لا تزال أسيرة المدرسة التقليدية – في الغالب – بكل ما لهامن عيوب كما قدَّمنا، ولقد آن الأوان أن نستبدل بها منهجًاجديدًا على ضوء الحقائق التي انتهينا إِليها من خلال هذاالعرض الموجز . إِننا نتطلع إِلى منهج يناسب الوعي الثقافيالمعاصر وما وصلت إِليه الأذواق والأفهام الأدبية الحديثة.. منهجمتكامل يجمع بين الأصالة والمعاصرة ويتميز بشخصيتهالمستقلة ومعاييره الخاصة. س : دكتور محمد ماذا يقصد بالنظرية الإقليمية ؟ ج : نظرية أو دراسة تهتم بالبيئة المكانية , وتدرس الأدب وفقاًلهذه للبيئة , وقد وجدت عند نقادنا القدماء , فابن سلام فيالطبقات قسم الشعراء على الطريقة الإقليمية : ( جاهليون – أصحاب المراثي – شعراء القرى – شعراء مكة والمدينة والطائفوالبحرين والمدينة ) . وابن رشيق قسم الشعراء أيضاً إلى أقاليم ( الشعر في ربيعة ثمفي قيس ثم في تميم ..) والثعالبي صاحب اليتيمة قسمالشعراء إلى أربعة أقسام : ( محاسن أشعار آل حمدان من أهلالشام ومصر والموصل ومحاسن أشعار أهل العراق . ومحاسنأشعار أهل الجبال وفارس وجرجان وطبرستان . ومحاسن أهلخراسان وما وراء النهر ) .   س : دكتور محمد هل كان للمستشرقين جهود مذكورة فيتقسيم الأدب العربي ؟ ج : لعل أول رائد لكتابة تاريخ الآداب العربية في الشرق والغربالنمساوي جوزيف بروجشنال , حيث نشر كتاباً في تاريخالآداب في 7 مجلدات , ونظر إلى الأدب بالمعنى الواسع وطوّلالكتاب , وبدأ بالعصر الجاهلي وانتهى به المطاف إلى العصرالعثماني , وقد جرّه هذا العمل إلى أخطاء كثيرة فضلاً على أنهلم يكن متمكناً من العربية . ثم جاءت النظرة في مجال دراسة تاريخ الأدب العربي على يدالألماني بروكلمان في 10مجلدات تشمل تاريخ الثقافة العربيةمن الجاهلية إلى القرن العشرين , والكتاب يدل على إحاطةالباحث بجوانب الثقافة العربية والشرقية , وقد أحصى أدباءالعرب إحصاء دقيقاً مبيناً العلماء والفلاسفة مع ذكر آثارهمالمطبوعة والمخطوطة , وما كتب عنهم قديماً وحديثاً , كذلكمكانتهم في الفن والعلم وما قدموه من علم مع نبذة عن كل علموفن , وقسم كتابه وفق العصور السياسية إلى مرحلتينأساسيتين : الأولى : أدب الأمة العربية من أوله إلى سقوطالأمويين 132هـ , وهذه المرحلة قسمها ثلاثة أقسام : أدب العربإلى ظهور الإسلام . الأدب في عهد النبي محمد – صلى اللهعليه وسلم – وعصره . وعصر الدولة الأموية . وجعل فترةالجاهلية 100سنة قبل الإسلام , وزعم أن أدب العصر الأمويامتداد للعصر الجاهلي , وأن الإسلام لم يؤثر في الشعر الأموي. المرحلة الثانية : الأدب الإسلامي وقسمها إلى خمسة عصور : عصر ازدهار الأدب العباسي بالعراق 132هـ إلى 382هـ . وعصرالازدهار المتأخر في الأدب من 382هـ إلى 656هـ . وعصر الأدبمن سيادة المغول إلى فتح مصر على يد سليم الأول 565هـ – … تابع قراءة سؤالات في الأدب العربي